سورة يوسف - تفسير تفسير الخازن

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (يوسف)


        


قوله تعالى: {وجاؤوا أباهم عشاء يبكون} قال المفسرون: لما طرحوا يوسف في الجب رجعوا إلى أبيهم وقت العشاء ليكونوا في الظلمة أجرأ على الاعتذار بالكذب فلما قربوا من منزل يعقوب جعلوا يبكون ويصرخون فسمع أصواتهم ففزع من ذلك وخرج إليهم فلما رآهم قال بالله سألتكم يا بني هل أصابكم شيء في غنمكم قالوا لا قال فما أصابكم وأين يوسف {قالوا يا أبنا إنا ذهبنا نستبق} قال ابن عباس: يعني ننتضل، وقال الزجاج: يسابق بعضنا بعضاً في الرمي الأصل في السبق الرمي بالسهم وهو التناضل أيضاً وسمي المتراميان بذلك يقال تسابقا واستبقا إذا فعلا ذلك ليتبين أيهما أبعد سهماً. وقال السدي: يعني نشتد ونعدو والمعنى نستبق على الأقادم ليتبين أينا أسرع عدواً وأخف حركة، وقال مقاتل: نتصيد والمعنى نستبق إلى الصيد {وتركنا يوسف عند متاعنا} يعني عند ثيابنا {فأكله الذئب} يعني في حال استباقنا وغفلتنا عنه {وما أنت بمؤمن لنا} يعني وما أنت بمصدق لنا {ولو كنا صادقين} يعني في قولنا والمعنى إنا وإن كنا صادقين لكنك لا تصدق لنا قولاً لشدة محبتك ليوسف عند ثيابنا {فأكله الذئب} يعني في حال استباقنا وغفلتنا عنه {وما أنت بمؤمن لنا} يعني وما أنت بمصدق لنا {ولو كنا صادقين} يعني في قولنا والمعنى إنا وإن كنا صادقين لكنك لا تصدق لنا قولاً لشدة محبتك ليوسف فإنك تتهمنا في قولنا هذا وقيل معناه إنا وإن كنا صادقين فإنك لا تصدقنا لأنه لم تظهر عندك أماة تدل على صدقنا {وجاؤوا على قميصه} يعني قميص يوسف {بدم كذب} أي مكذوب فيه قال ابن عباس: إنهم ذبحوا سخلة وجعلوا دمها على قميص يوسف ثم جاؤوا أباهم وفي القصة أنهم لطخوا القميص بالدم ولم يشقوه، فقال يعقوب لهم: كيف أكله الذئب ولم يشقّ قميصه فاتهمهم بذلك، وقيل إنهم أتوه بذئب وقالوا هذا أكله فقال يعقوب: أيها الذئب أنت أكلت ولدي وثمرة فؤادي؟ فأنطقه الله عز وجل وقال والله ما أكلته ولا رأيت ولدك قط ولا يحل لنا أن نأكل لحوم الأنبياء، فقال يعقوب فكيف وقعت بأرض كنعان قال جئت لصلة الحم وهي قرابة لي فأخذوني وأتوا بي إليك فأطلقه يعقوب ولما ذكر إخوة يوسف ليعقوب هذا الكلام واحتجوا على صدقهم بالقميص الملطخ بالدم، {قال} يعقوب {بل سولت لكم أنفسكم أمراً} يعني بل زينت لكم أنفسكم أمراً، وأصل التسويل تقدير معنى في النفس مع الطمع في إتمامه، وقال صاحب الكشاف: سولت سهلت من السول وهو الاسترخاء أي سهلت لكم أنفسكم أمراً عظيماً ركبتموه من يوسف وهوّنتموه في أنفسكم وأعينكم فعلى هذا يكون معنى قوله بل رد لقولهم فأكله الذئب كأنه قال ليس الأمر كما تقولون أكله الذئب بل سولت لكم أنفسكم أمراً آخر غير ما تصفون {فصبر جميل} أي: فشأني صبر جميل، وقيل: معناه فصبري صبر جميل والصبر الجميل الذي لا شكوى فيه ولا جزع. وقيل: من الصبر أن لا تتحدث بمصيبتك ولا تزكين نفسك {والله المستعان على ما تصفون} يعني: من القول الكذب، وقيل: معناه والله المستعان على حمل ما تصفون.


قوله عز جل: {وجاءت سيارة} وهم القوم المسافرون سمّوا سيارة لمسيرهم في الأرض، وكانوا رفقة من مدين يريدون مصر فأخطؤوا الطريق فنزلوا قريباً من الجب الذي كان فيه يوسف وكان في قفرة بعيدة من العمارة ترده الرعاة والمارة وكان ماؤه ملحاً فلما ألقي يوسف فيه عذب فلما نزلوا أرسلوا رجلاً من أهل مدين يقال له مالك بن ذعر الخزاعي ليطلب لهم الماء فذلك قوله عز وجل: {فأرسلوا واردهم فأدلى دلوه} قال والوارد هو الذي يتقدم الرفقة إلى الماء فيهيئ الأرشية والدلاء يقال أدليت الدلو إذا أرسلتها في البئر ودلوتها إذا أخرجتها قال فتعلق يوسف عليه الصلاة والسلام بالحبال وكان يوسف عليه السلام أحسن ما يكون من الغلمان وذكر البغوي بسند متصل أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أعطي يوسف شطر الحسن» ويقال إنه ورث ذلك الجمال من جدته سارة وكانت قد أعطيت سدس الحسن قال محمد بن إسحاق: ذهب يوسف وأمه بثلثي الحسن، وحكى الثعلبي عن كعب الأحبار، قال: كان يوسف حسن الوجه جعد الشعر ضخم العينين مستوي الخلق أبيض اللوم غليظ الساعدين والعضدين والساقين خميص البطن صغير السرة وكان إذا تبسم رأيت النور في ضواحكه وإذا تكلم رأيت شعاع النور في ثناياه، ولا يستطيع أحد وصفه وكان حسنه كضوء النهار عند الليل وكان يشبه آدم عليه الصلاة والسلام يوم خلقه الله وصورته قبل أن يصيب الخطيئة. قالوا فلما خرج يوسف ورآه مالك بن ذعر كأحسن ما يكون من الغلمان قال يعني الوارد وهو مالك بن ذعر {يا بشراي} يعني يقول الوارد لأصحابه أبشروا {هذا غلام} وقرئ يا بشرى بغير إضافة ومعناه أن الوارد نادى رجلاً من أصحابه اسمه بشرى كما تقول يا زيد ويقال أن جدران البئر بكت على يوسف حين خرج منها {وأسروه بضاعة} قال مجاهد أسره: مالك بن ذعر وأصحابه من التجار الذين كانوا معهم وقالوا إنه بضاعة استبضعناه لبعض أهل المال إلى مصر وإنما قالوا ذلك خيفة أن يطلبوا منهم الشركة فيه، وقيل: إن إخوة يوسف أسروا شأن يوسف يعني أنهم أخفوا أمر يوسف وكونه أخاً لهم بل قالوا هو عبد لنا أبق وصدقهم يوسف على ذلك لأنهم توعدوه بالقتل سراً من مالك ابن ذعر وأصحابه والقول الأول أصح لأن مالك بن ذعر هو الذي أسره بضاعة وأصحابه {والله عليم بما يعملون} يعني من إرادة إهلاك يوسف فجعل ذلك سبباً لنجاته وتحقيقاً لرؤياه أن يصير ملك مصر بعد أن كان عبد اً قال أصحاب الأخبار: إن يهوذا كان يأتي يوسف بالطعام فأتاه فلم يجده في الجب فأخبر إخوته بذلك فطلبوه فإذا هم بمالك بن ذعر وأصحابه نزولاً قريباً من البئر فأتوهم فإذا يوسف عندهم فقالوا لهم هذا عبد نا أبق معنا ويقال إنهم هددوا يوسف حتى يكتم حاله ولا يعرفها وقال لهم مثل قولهم ثم إنهم باعوه منهم.


قوله تعالى: {وشروه} أي باعوه وقد يطلق لفظ الشراء على البيع يقال شريت الشيء بمعنى بعته وإنما وجب حمل هذا الشراء على البيع لأن الضمير في وشروه وفي وكانوا فيه من الزاهدين يرجع إلى شيء واحد وذلك أن إخوته زهدوا فيه فباعوه وقيل إن الضمير في وشروه يعود على مالك بن ذعر وأصحابه فعلى هذا القول يكون لفظ الشراء على بابه {بثمن بخس} قال الحسن والضحاك ومقاتل والسدي: بخس أي حرام لأن ثمن الحر حرام ويسمى الحرام بخساً لأنه مبخوس البركة يعني منقوصها وقال ابن مسعود وابن عباس: بخس أي زيوف ناقصة العيار وقال قتادة: بخس أي ظلم والظلم نقصان الحق يقال ظلمه إذا نقصه حقه وقال عكرمة والشعبي: بخس أي قليل وعلى الأقوال كلها فالبخس في اللغة هو نقص الشيء على سبيل الظلم والبخس والباخس الشيء الطفيف {دراهم معدودة} فيه إشارة إلى قلة تلك الدراهم لأنهم في ذلك الزمان ما كانوا يزنون أقل من أربعين درهماً إنما كانوا يأخذون ما دونها عدداً فإذا بلغت أربعين درهماً وهي أوقية وزنوها واختلفوا في عدد تلك الدراهم فقال ابن مسعود وابن عباس وقتادة: كانت عشرين درهماً فاقتمسوها درهمين درهمين فعلى هذا القول لم يأخذ أخوه من أمه وأبيه شيئاً منها، وقال مجاهد: كانت اثنين وعشرين درهماً فعلى هذا أخذ أخوه منها درهمين لأنهم كانوا أحد عشر أخاً وقال عكرمة كانت أربعين درهماً {وكانوا فيه من الزاهدين} يعني وكان إخوة يوسف في يوسف من الزاهدين وأصل الزهد قلة الرغبة يقال زهد فلان في كذا إذا لم يكن له فيه رغبة والضمير في قوله وكانوا فيه من الزاهدين إن قلنا أنه يرجع إلى أخوة يوسف كان وجه زهدهم فيه أنهم حسدوه وأرادوا إبعاده عنهم ولم يكن قصدهم تحصيل الثمن وإن قلنا إن قوله وشروه وكانوا فيه من الزاهدين يرجع إلى معنى واحد وهو أن الذين شروه كانوا فيه من الزاهدين كان وجه زهدهم فيه إظهار قلة الرغبة فيه ليشتروه بثمن بخس قليل.
ويحتمل أن يقال: إن إخوته لما قالوا إنه عبد نا وقد أبق أظهر المشتري قلة الرغبة فيه لهذا السبب قال أصحاب الأخبار ثم إن مالك بن ذعر وأصحابه لما اشتروا يوسف انطلقوا به إلى مصر وتبعهم إخوته يقولون استوثقوا منه لا يأبق منكم فذهبوا به حتى قدموا مصر فعرضه مالك على البيع فاشتراه قطفير قاله ابن عباس، وكان قطفير صاحب أمر الملك وكان على خزائن مصر وكان يسمى العزيز وكان الملك بمصر ونواحيها اسمه الريان بن الوليد بن شروان وكان من العماليق، وقيل: إن هذا الملك لم يمت حتى آمن بيوسف واتبعه على دينه ثم مات ويوسف عليه الصلاة والسلام حي.
قال ابن عباس: لما دخلوا مصر لقي قطفير مالك بن ذعر فاشترى يوسف منه بعشرين ديناراً وزوج نعل وثوبين أبيضين، وقال وهب بن منبه: قدمت السيارة بيوسف مصر ودخلوا به السوق يعرضونه للبيع فترافع الناس في ثمنه حتى بلغ وزنه ذهباً ووزنه فضة ووزنه مسكاً وحريراً وكان وزنه أربعمائة رطل وكان عمره يومئذ ثلاث عشرة سنة أو سبع عشرة سنة فابتاعه قطفير بهذا الثمن فذلك قوله تعالى: {وقال الذي اشتراه من مصر} يعني قطفير من أهل مصر {لأمرأته} وكان اسمها راعيل وقيل زليخا {أكرمي مثواه} يعني أكرمي منزله ومقامه عندك والمثوى موضع الإقامة وقيل أكرميه في المطعم والملبس والمقام {عسى أن ينفعنا} يعني إن أردنا بيعه بعناه بربح أو يكفينا بعض أمورنا ومصالحنا إذا قوي وبلغ {أو نتخذه ولداً} يعني نتبناه وكان حصوراً ليس له ولد، قال ابن مسعود: أفرس الناس ثلاثة العزيز في يوسف حيث قال لامرأته أكرمي مثواه عسى أن ينفعنا أو نتخذه ولداً وابنة شعيب في موسى حيث قالت لأبيها استأجره إن خير من استأجرت القوي الأمين وأبو بكر في عمر استخلفه بعده {وكذلك مكَّنّا ليوسف في الأرض} يعني كما مننا على يوسف بأن أنقذناه من القتل وأخرجناه من الجب كذلك مكناه في الأرض يعني أرض مصر فجعلناه على خزائنها {ولنعلمه من تأويل الأحاديث} أي مكنا له في الأرض لكي نعلمه من تأويل الأحاديث يعني عبارة الرؤيا وتفسيرها {والله غالب على أمره} قيل الكناية في أمره راجعة إلى الله تعالى ومعناه والله غالب على أمره يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد لا دافع لأمره ولا راد لقضائه ولا يغلبه شيء وقيل هي راجعة إلى يوسف ومعناه أن الله مستولٍ على أمر يوسف بالتدبير والإحاطة لا يكله إلى أحد سواه حتى يبلغ منتهى ما علمه فيه {ولكن أكثر الناس لا يعلمون} يعني ما هو صانع بيوسف وما يريد منه.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8